اكس بي نت xp nt
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالرئيسةأحدث الصورمركز رفع منتديات سيفينالتسجيلدخول





 

 آداب الدعوة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عاشق دمياط
عضو فعال
عضو فعال
عاشق دمياط


مصر
آداب الدعوة Unknow10
آداب الدعوة Unknow10
رايق
الجنس : ذكر
المشاركات : 102
النقاط : 203
التقييم : 2
الانتساب : 25/03/2011
العمر : 44

آداب الدعوة Empty
مُساهمةموضوع: آداب الدعوة   آداب الدعوة Emptyالجمعة مارس 25, 2011 1:53 am

آداب الدعوة









عَنْ
أَنَسٍ،أَنَّ غُلاَمًا مِنَ الْيَهُودِ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ
r،فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ rيَعُودُهُ وَهُوَ بِالْمَوْتِ،فَدَعَاهُ
إِلَى الإِِسْلاَمِ،فَنَظَرَ الْغُلاَمُ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ
رَأْسِهِ،فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ:أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ،فَأَسْلَمَ،ثُمَّ
مَاتَ،فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ rمِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ:الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ."[1]

أمر الله -عز
وجل- المسلمين بالدعوة إلى الإيمان به وعبادته،فقال سبحانه: {وَلْتَكُن
مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104)
سورة آل عمران.

لِتَكُنْ مِنَ المُؤْمِنِينَ جَمَاعَةٌ
مُتَخَصِّصَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ تَعْرِفُ أَسْرَارَ الأَحْكَامِ،وَحِكْمَةَ
التَّشْرِيعِ وَفِقْهَهُ،تَتَولَّى القِيَامَ بِالدَّعْوَةِ إلى
الدِّين،وَتَأمُرُ بِالمَعْروفِ،وَتُحَارِبُ المُنْكَرَ،وَتَنْهَى
عَنْهُ،وَمِنْ وَاجِبِ كُلِّ مُسْلِمِ أنْ يُحَارِبَ المُنْكَرَ مَا
اسْتَطَاعَ إلى ذَلِكَ،وَهَؤُلاءِ هُمُ الفَائِزُونَ فِي الدُّنْيا
وَالآخِرَةِ .[2]

وقال الله تعالى مبينًا فضل الدعوة إليه: { وَمَنْ
أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ
إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا
السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
(35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ
بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) } [فصلت:33 - 36]

لا
أحد أحسن قولا ممن دعا إلى توحيد الله وعبادته وحده وعمل صالحًا وقال:
إنني من المسلمين المنقادين لأمر الله وشرعه. وفي الآية حث على الدعوة إلى
الله سبحانه،وبيان فضل العلماء الداعين إليه على بصيرة،وَفْق ما جاء عن
رسول الله محمد r.

ولا تستوي حسنة الذين آمنوا بالله،واستقاموا على
شرعه،وأحسنوا إلى خلقه،وسيئة الذين كفروا به وخالفوا أمره،وأساؤوا إلى
خلقه. ادفع بعفوك وحلمك وإحسانك مَن أساء إليك،وقابل إساءته لك بالإحسان
إليه،فبذلك يصير المسيء إليك الذي بينك وبينه عداوة كأنه قريب لك شفيق
عليك. وما يُوفَّق لهذه الخصلة الحميدة إلا الذين صبروا أنفسهم على ما
تكره،وأجبروها على ما يحبه الله،وما يُوفَّق لها إلا ذو نصيب وافر من
السعادة في الدنيا والآخرة.وإما يلقينَّ الشيطان في نفسك وسوسة من حديث
النفس لحملك على مجازاة المسيء بالإساءة،فاستجر بالله واعتصم به،إن الله هو
السميع لاستعاذتك به،العليم بأمور خلقه جميعها.[3]

إن النهوض بواجب
الدعوة إلى اللّه،في مواجهة التواءات النفس البشرية،وجهلها،واعتزازها بما
ألفت،واستكبارها أن يقال:إنها كانت على ضلالة،وحرصها على شهواتها وعلى
مصالحها،وعلى مركزها الذي قد تهدده الدعوة إلى إله واحد،كل البشر أمامه
سواء.

إن النهوض بواجب الدعوة في مواجهة هذه الظروف أمر شاق. ولكنه
شأن عظيم:«وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ،وَعَمِلَ
صالِحاً،وَقالَ:إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ».

إن كلمة الدعوة
حينئذ هي أحسن كلمة تقال في الأرض،وتصعد في مقدمة الكلم الطيب إلى السماء.
ولكن مع العمل الصالح الذي يصدق الكلمة ومع الاستسلام للّه الذي تتوارى معه
الذات. فتصبح الدعوة خالصة للّه ليس للداعية فيها شأن إلا التبليغ.

ولا
على الداعية بعد ذلك أن تتلقى كلمته بالإعراض،أو بسوء الأدب،أو بالتبجح في
الإنكار. فهو إنما يتقدم بالحسنة. فهو في المقام الرفيع،وغيره يتقدم
بالسيئة. فهو في المكان الدون:«وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا
السَّيِّئَةُ».

وليس له أن يرد بالسيئة،فإن الحسنة لا يستوي أثرها -
كما لا تستوي قيمتها - مع السيئة والصبر والتسامح،والاستعلاء على رغبة
النفس في مقابلة الشر بالشر،يرد النفوس الجامحة إلى الهدوء والثقة،فتنقلب
من الخصومة إلى الولاء،ومن الجماح إلى اللين:« ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ،فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ
حَمِيمٌ».

وتصدق هذه القاعدة في الغالبية الغالبة من الحالات. وينقلب الهياج إلى وداعة. والغضب إلى سكينة.

والتبجح إلى حياء على كلمة طيبة،ونبرة هادئة،وبسمة حانية في وجه هائج غاضب متبجح مفلوت الزمام!

ولو قوبل بمثل فعله ازداد هياجا وغضبا وتبجحا ومرودا. وخلع حياءه نهائيا،وأفلت زمامه،وأخذته العزة بالإثم.

غير
أن تلك السماحة تحتاج إلى قلب كبير يعطف ويسمح وهو قادر على الإساءة
والرد. وهذه القدرة ضرورية لتؤتي السماحة أثرها. حتى لا يصور الإحسان في
نفس المسيء ضعفا. ولئن أحس أنه ضعف لم يحترمه،ولم يكن للحسنة أثرها إطلاقا.

وهذه السماحة كذلك قاصرة على حالات الإساءة الشخصية. لا العدوان على العقيدة وفتنة المؤمنين عنها.

فأما في هذا فهو الدفع والمقاومة بكل صورة من صورها. أو الصبر حتى يقضي اللّه أمرا كان مفعولا.

وهذه
الدرجة،درجة دفع السيئة بالحسنة،والسماحة التي تستعلي على دفعات الغيظ
والغضب،والتوازن الذي يعرف متى تكون السماحة ومتى يكون الدفع بالحسنى ..
درجة عظيمة لا يلقاها كل إنسان. فهي في حاجة إلى الصبر. وهي كذلك حظ موهوب
يتفضل به اللّه على عباده الذين يحاولون فيستحقون:«وَما يُلَقَّاها إِلَّا
الَّذِينَ صَبَرُوا،وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» ..

إنها
درجة عالية إلى حد أن رسول اللّه - r- وهو الذي لم يغضب لنفسه قط وإذا غضب
للّه لم يقم لغضبه أحد. قيل له - وقيل لكل داعية في شخصه -:«وَإِمَّا
يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ،إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ..

فالغضب قد ينزغ. وقد يلقي في الروع قلة
الصبر على الإساءة. أو ضيق الصدر عن السماحة. فالاستعاذة باللّه من الشيطان
الرجيم حينئذ وقاية،تدفع محاولاته،لاستغلال الغضب،والنفاذ من ثغرته.

إن
خالق هذا القلب البشري،الذي يعرف مداخله ومساربه،ويعرف طاقته
واستعداده،ويعرف من أين يدخل الشيطان إليه،يحوط قلب الداعية إلى اللّه من
نزغات الغضب. أو نزغات الشيطان. مما يلقاه في طريقه مما يثير غضب الحليم.

إنه طريق شاق. طريق السير في مسارب النفس ودروبها وأشواكها وشعابها،حتى يبلغ الداعية منها موضع التوجيه ونقطة القياد!!![4]

وعَنْ
أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ،قَالَ:أَتَى النَّبِيَّ
rرَجُلٌ،فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنِّي أُبْدِعَ
بِي،فَاحْمِلْنِي،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: لَيْسَ عِنْدِي فَقَالَ
رَجُلٌ:أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r:
مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ. [5].

وللدعوة إلى الله آداب يتحلى بها المسلم،منها:

إخلاص
النية: الإخلاص هو السرُّ في نجاح الداعي إلى الله،فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ،عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ
اللَّيْثِي أَنَّهُ،سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ
يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ
بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى،فَمَنْ كَانَتْ
هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ
وَرَسُولِهِ،وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا،أَوْ
إِلَى امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا،فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ
"[6]

الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة: المسلم -في دعوته غيره-
يستخدم الكلمة الطيبة،ويبتعد عن الفحش والتفحش،قال تعالى: {ادْعُ إِلِى
سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن
سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل

على
هذه الأسس يرسي القرآن الكريم قواعد الدعوة ومبادئها،ويعين وسائلها
وطرائقها،ويرسم المنهج للرسول الكريم،وللدعاة من بعده بدينه القويم فلننظر
في دستور الدعوة الذي شرعه اللّه في هذا القرآن.

إن الدعوة دعوة إلى
سبيل اللّه. لا لشخص الداعي ولا لقومه. فليس للداعي من دعوته إلا أنه يؤدي
واجبه للّه،لا فضل له يتحدث به،لا على الدعوة ولا على من يهتدون به،وأجره
بعد ذلك على اللّه.

والدعوة بالحكمة،والنظر في أحوال المخاطبين
وظروفهم،والقدر الذي يبينه لهم في كل مرة حتى لا يثقل عليهم ولا يشق
بالتكاليف قبل استعداد النفوس لها. والطريقة التي يخاطبهم بها،والتنويع في
هذه الطريقة حسب مقتضياتها. فلا تستبد به الحماسة والاندفاع والغيرة
فيتجاوز الحكمة في هذا كله وفي سواه.

وبالموعظة الحسنة التي تدخل إلى القلوب برفق،وتتعمق المشاعر بلطف،لا بالزجر والتأنيب في غير موجب.

ولا
بفضح الأخطاء التي قد تقع عن جهل أو حسن نية. فإن الرفق في الموعظة كثيرا
ما يهدي القلوب الشاردة،ويؤلف القلوب النافرة،ويأتي بخير من الزجر والتأنيب
والتوبيخ.

وبالجدل بالتي هي أحسن. بلا تحامل على المخالف ولا ترذيل
له وتقبيح. حتى يطمئن إلى الداعي ويشعر أن ليس هدفه هو الغلبة في
الجدل،ولكن الإقناع والوصول إلى الحق. فالنفس البشرية لها كبرياؤها
وعنادها،وهي لا تنزل عن الرأي الذي تدافع عنه إلا بالرفق،حتى لا تشعر
بالهزيمة. وسرعان ما تختلط على النفس قيمة الرأي وقيمتها هي عند
الناس،فتعتبر التنازل عن الرأي تنازلا عن هيبتها واحترامها وكيانها. والجدل
بالحسنى هو الذي يطامن من هذه الكبرياء الحساسة. ويشعر المجادل أن ذاته
مصونة،وقيمته كريمة،وأن الداعي لا يقصد إلا كشف الحقيقة في ذاتها،والاهتداء
إليها. في سبيل اللّه،لا في سبيل ذاته ونصرة رأيه وهزيمة الرأي الآخر!
ولكي يطامن الداعية من حماسته واندفاعه يشير النص القرآني إلى أن اللّه هو
الأعلم بمن ضل عن سبيله وهو الأعلم بالمهتدين. فلا ضرورة للجاجة في الجدل
إنما هو البيان والأمر بعد ذلك للّه.

هذا هو منهج الدعوة ودستورها
ما دام الأمر في دائرة الدعوة باللسان والجدل بالحجة. فأما إذا وقع
الاعتداء على أهل الدعوة فإن الموقف يتغير،فالاعتداء عمل مادي يدفع بمثله
إعزازا لكرامة الحق،ودفعا لغلبة الباطل،على ألا يتجاوز الرد على الاعتداء
حدوده إلى التمثيل والتفظيع،فالإسلام دين العدل والاعتدال،ودين السلم
والمسالمة،إنما يدفع عن نفسه وأهله البغي ولا يبغي «وَإِنْ عاقَبْتُمْ
فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ». وليس ذلك بعيدا عن دستور الدعوة
فهو جزء منه. فالدفع عن الدعوة في حدود القصد والعدل يحفظ لها كرامتها
وعزتها،فلا تهون في نفوس الناس. والدعوة المهينة لا يعتنقها أحد،ولا يثق
أنها دعوة اللّه. فاللّه لا يترك دعوته مهينة لا تدفع عن نفسها،والمؤمنون
باللّه لا يقبلون الضيم وهم دعاة للّه والعزة للّه جميعا. ثم إنهم أمناء
على إقامة الحق في هذه الأرض وتحقيق العدل بين الناس،وقيادة البشرية إلى
الطريق القويم،فكيف ينهضون بهذا كله وهم يعاقبون فلا يعاقبون،ويعتدى عليهم
فلا يردون؟!.

ومع تقرير قاعدة القصاص بالمثل،فإن القرآن الكريم يدعو
إلى العفو والصبر،حين يكون المسلمون قادرين على دفع الشر ووقف العدوان،في
الحالات التي قد يكون العفو فيها والصبر أعمق أثرا. وأكثر فائدة للدعوة.

فأشخاصهم
لا وزن لها إذا كانت مصلحة الدعوة تؤثر العفو والصبر. فأما إذا كان العفو
والصبر يهينان دعوة اللّه ويرخصانها،فالقاعدة الأولى هي الأولى.

ولأن
الصبر يحتاج إلى مقاومة للانفعال،وضبط للعواطف،وكبت للفطرة،فإن القرآن
يصله باللّه ويزين عقباه:«وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ
لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ» .. فهو الذي
يعين على الصبر وضبط النفس،والاتجاه إليه هو الذي يطامن من الرغبة الفطرية
في رد الاعتداء بمثله والقصاص له بقدره.

ويوصي القرآن الرسول - r-
وهي وصية لكل داعية من بعده،ألا يأخذه الحزن إذا رأى الناس لا يهتدون،فإنما
عليه واجبه يؤديه،والهدى والضلال بيد اللّه،وفق سنته في فطرة النفوس
واستعداداتها واتجاهاتها ومجاهدتها للهدى أو للضلال. وألا يضيق صدره بمكرهم
فإنما هو داعية للّه،فاللّه حافظه من المكر والكيد،لا يدعه للماكرين
الكائدين وهو مخلص في دعوته لا يبتغي من ورائها شيئا لنفسه ..

ولقد
يقع به الأذى لامتحان صبره،ويبطئ عليه النصر لابتلاء ثقته بربه،ولكن
العاقبة مظنونة ومعروفة «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا
وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ» ومن كان اللّه معه فلا عليه ممن يكيدون وممن
يمكرون.هذا هو دستور الدعوة إلى اللّه كما رسمه اللّه. والنصر مرهون
باتباعه كما وعد اللّه. ومن أصدق من اللّه؟.[7]

الفهم الجيد للدين:
لا بد أن يكون الداعي إلى الله على علم بأحكام الدَّين،ولكي يتحقق له ذلك
فيستحب له حفظ القرآن الكريم،ومن أحاديث النبي rقدر ما يستطيع حتى يستدلَّ
بها في دعوته فعلى الأقل يحفظ أحاديث رياض الصالحين للإمام النووي رحمه
الله،يقول تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف

يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى
نَبِيَّهُ rبِأَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَةَ إِلى
شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ هِيَ
سَبِيلُهُ وَمَسْلَكُهُ وَسُنَّتُهُ،وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَدْعُوهُمْ
إِلَيْهَا وَهُوَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنَ اللهِ وَيَقِينٍ،هُوَ وَكُلُّ مَنْ
آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ،مِنْ حَقِيقَةِ مَا يَدْعُونَ إِلَيْهِ،وَمَا
يَقُولُونَ بِهِ،وَأَنَّهُ يُنْزِّهُ اسْمَ اللهِ،وَيُقَدِّسُهُ عَنِ
الشِّرْكِ وَالوَلَدِ وَالصَّحَابَةِ،تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً
كَبِيراً[8]

فنحن على هدى من اللّه ونور. نعرف طريقنا جيدا،ونسير
فيها على بصر وإدراك ومعرفة،لا نخبط ولا نتحسس،ولا نحدس. فهو اليقين البصير
المستنير. ننزه اللّه - سبحانه - عما لا يليق بألوهيته،وننفصل وننعزل
ونتميز عن الذين يشركون به:

«وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ..لا ظاهر الشرك ولا خافيه.هذه طريقي فمن شاء فليتابع،ومن لم يشأ فأنا سائر في طريقي المستقيم.

وأصحاب
الدعوة إلى اللّه لا بد لهم من هذا التميز،لا بد لهم أن يعلنوا أنهم أمة
وحدهم،يفترقون عمن لا يعتقد عقيدتهم،ولا يسلك مسلكهم،ولا يدين
لقيادتهم،ويتميزون ولا يختلطون! ولا يكفي أن يدعوا أصحاب هذا الدين إلى
دينهم،وهم متميعون في المجتمع الجاهلي. فهذه الدعوة لا تؤدي شيئا ذا قيمة!
إنه لا بد لهم منذ اليوم الأول أن يعلنوا أنهم شيء آخر غير الجاهلية وأن
يتميزوا بتجمع خاص آصرته العقيدة المتميزة،وعنوانه القيادة الإسلامية .. لا
بد أن يميزوا أنفسهم من المجتمع الجاهلي وأن يميزوا قيادتهم من قيادة
المجتمع الجاهلي أيضا! إن اندغامهم وتميعهم في المجتمع الجاهلي،وبقاءهم في
ظل القيادة الجاهلية،يذهب بكل السلطان الذي تحمله عقيدتهم،وبكل الأثر الذي
يمكن أن تنشئه دعوتهم،وبكل الجاذبية التي يمكن أن تكون للدعوة الجديدة.

وهذه
الحقيقة لم يكن مجالها فقط هو الدعوة النبوية في أوساط المشركين .. إن
مجالها هو مجال هذه الدعوة كلما عادت الجاهلية فغلبت على حياة الناس ..
وجاهلية القرن العشرين لا تختلف في مقوماتها الأصيلة،وفي ملامحها المميزة
عن كل جاهلية أخرى واجهتها الدعوة الإسلامية على مدار التاريخ! والذين
يظنون أنهم يصلون إلى شيء عن طريق التميع في المجتمع الجاهلي والأوضاع
الجاهلية،والتدسس الناعم من خلال تلك المجتمعات ومن خلال هذه الأوضاع
بالدعوة إلى الإسلام .. هؤلاء لا يدركون طبيعة هذه العقيدة ولا كيف ينبغي
أن تطرق القلوب! .. إن أصحاب المذاهب الإلحادية أنفسهم يكشفون عن عنوانهم
وواجهتهم ووجهتهم! أفلا يعلن أصحاب الدعوة إلى الإسلام عن عنوانهم الخاص؟
وطريقهم الخاص؟ وسبيلهم التي تفترق تماما عن سبيل الجاهلية؟[9]

القدوة
الحسنة: الداعي قدوة لغيره،ولذلك عليه أن يحرص على العمل بما يعلم،وأن
يتخلق بما يدعو إليه وإلا كان ممن قال الله فيهم: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ
بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ
أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (44) سورة البقرة

يَنْعِى اللهُ تَعَالَى
عَلَى اليَهُودِ - وَهُمْ أَهْلُ الكِتَابِ - أَنْ يَأْمُرُوا النَّاسَ
بِالخَيْرِ وَالبِرِّ وَطَاعَةِ اللهِ،فِي حَالِ أَنَّهُمْ يَنْسَوْنَ
وَعْظَ أَنْفُسِهِمْ،وَحَمْلَهَا عَلَى طَاعَةِ اللهِ،فَلاَ يَأْتَمِرُونَ
بِمَا يَأْمُرُونَ بِهِ غَيْرَهُمْ مِنَ النَّاسِ،مَعَ أَنَّهُمْ يَتْلُونَ
كِتَابَ اللهِ المُنْزَلَ إِلَيْهِمْ،وَيَعْلَمُونَ مَا فِيهِ مِنْ
عَقَابِ يَحِلُّ بِمَنْ يُقَصِّرُ فِي القِيَامِ بمَا أَمَرَ
اللهُ.وَلكِنَّ الأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ مِنْهُمْ لاَ يَذْكُرُونَ مِنَ
الحَقِّ إِلاَّ مَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ،وَلا يَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ
مِنَ الأَحْكَامِ إِذَا عَارَضَ شَهَوَاتِهِمْ[10]

فعَنْ أَبِي
الْمِنْهَالِ قَالَ:حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ مُحْرِزٍ،سَمِعَ جُنْدُبَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ يَقُولُ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ:" إِنَّ
مَثَلَ الَّذِي يَعِظُ النَّاسَ وَيَنْسَى نَفْسَهُ كَالْمِصْبَاحِ
يَحْرِقُ نَفْسَهُ وَيُضِيءُ لِغَيْرِهِ "

قَالَ أَبُو عُمَرَ:" أَخَذَهُ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ فَقَالَ :

وَبَّخْتَ غَيْرَكَ بِالْعَمَى فَأَفَدْتَهُ بَصَرًا وَأَنْتَ مُحْسِنٌ لِعَمَاكَا

كَفَتِيلَةِ الْمِصْبَاحِ تَحْرِقُ نَفْسَهَا وَتُنِيرُ مَوْقِدَهَا وَأَنْتَ كَذَاكَا

وَلَقَدْ أَحْسَنَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ فِي قَوْلِهِ،وَتُرْوَى لِلْعَرْزَمِيِّ :

يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ

وَنَرَاكَ تُلْقِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَا صِفَةً وَأَنْتَ مِنَ الرَّشَادِ عَدِيمُ

لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ

وَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ

فَهُنَاكَ تُقْبَلُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى بِالْقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ[11]

فلابد
أن يكون الداعي طيب الأخلاق،حسن السيرة. وعَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ
عَامِرٍ،قَالَ:أَتَيْتُ عَائِشَةَ،فَقُلْتُ:يَا أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ،أَخْبِرِينِي بِخُلُقِ رَسُولِ اللهِ r،قَالَتْ:كَانَ
خُلُقُهُ الْقُرْآنَ،أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ،قَوْلَ اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}،قُلْتُ:فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ
أَتَبَتَّلَ،قَالَتْ:لاَ تَفْعَلْ،أَمَا تَقْرَأُ:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ} حَسَنَةٌ ؟ فَقَدْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ
r،وَقَدْ وُلِدَ لَهُ. "[12].

أي أنه rكان يتصف بكل صفات الخير التي يدعو الناس للتمسك بها من خلال آيات القرآن الكريم والسنة النبوية.

وليحذر
الداعي من الانسياق في المعاصي مع الناس،ويبتعد عن مواضع التهم
والشبهات،فعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ
عَلَى مِنْبَرِنَا هَذَا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ عَلَيْهِ
السَّلَامُ يَقُولُ: " إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ
وَإِنَّ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُشْتَبِهَاتٍ فَمَنْ تَرَكَهَا
اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ رَتَعَ فِيهَا يُوشِكُ أَنْ
يَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَمَنْ رَعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ
فِيهِ،أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنَّ الْحَرَامَ حِمَى اللهِ
الَّذِي حَرَّمَ عَلَى عِبَادِهِ "[13].

البعد عن مواضع الخلافات:
الداعي يبتعد عن مواضع الخلاف ما وسعه ذلك،فيتحدث إلى الناس في الأمور
المتفق عليها،حتى لا يتعرض للدخول في جدال لا طائل تحته،أو لرياء يُذهب
ثواب عمله.

ذلك لأن الله تعالى شاء هذا الاختلاف في فهم النصوص
الشرعية،فليست قطعية الدلالة على المعنى المراد إلا القليل منها،وقد اختلف
الصحابة رضي الله عنهم في فهمها فما أنكر عليهم رسول الله r ذلك،فعَنِ
ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - r- لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ
الأَحْزَابِ « لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِى بَنِى
قُرَيْظَةَ ».فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِى الطَّرِيقِ فَقَالَ
بَعْضُهُمْ لاَ نُصَلِّى حَتَّى نَأْتِيَهَا،وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ
نُصَلِّى لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ.فَذُكِرَ لِلنَّبِىِّ - r- فَلَمْ
يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ .[14]

وعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ
مُحَمَّدٍ،قَالَ:" كَانَ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ rمِمَّا
نَفَعَ اللَّهُ بِهِ،فَمَا عَمِلْتَ مِنْهُ مِنْ عَمَلٍ لَمْ يَدْخُلْ
نَفْسَكَ مِنْهُ شَيْءٌ " [15]

وعَنْ قَتَادَةَ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ
عَبْدِ الْعَزِيزِ،كَانَ يَقُولُ:" مَا سَرَّنِي لَوْ أَنَّ أَصْحَابَ
مُحَمَّدٍ rلَمْ يَخْتَلِفُوا،لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَخْتَلِفُوا لَمْ
تَكُنْ رُخْصَةٌ " [16]

البدء بالأهم: الداعي إلى الله يتدرج في دعوة الناس،فيدعوهم إلى الفرائض قبل السنن،ويدعوهم إلى الأمور الواجبة قبل الأمور المستحبة.

فعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ:أَنَّ النَّبِىَّ -r- لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا عَلَى
الْيَمَنِ قَالَ :« إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ
فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ،فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ
فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ،فَإِذَا
فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً
تُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ،فَإِذَا
أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ،وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ
»[17]

الرفق واللين: المسلم يدعو غيره بالرفق واللين،قال تعالى:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ
لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى
اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران

وعَنْ
عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -r- عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ « إِنَّ
الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِى شَىْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ
شَىْءٍ إِلاَّ شَانَهُ ».[18]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ
النَّبِيِّ r،قَالَ:إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ،وَيُعْطِي
عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ.[19]

الذكاء
والفطـنة: المسلم ذكي وفطن،يعرف كيف يدعو الناس إلى الله،وكيف يتحدث إليهم
ويقنعهم،وهو دائمًا يختار الوقت المناسب لدعوته. فعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ:أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ يَسْتَعِينُهُ
فِي شَيْءٍ قَالَ عِكْرِمَةُ:أُرَاهُ فِي دَمٍ،فَأَعْطَاهُ رَسُولُ
اللَّهِ - r- شَيْئًا،ثُمَّ قَالَ:" أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ ؟ ".قَالَ
الْأَعْرَابِيُّ:لَا،وَلَا أَجْمَلْتَ.فَغَضِبَ بَعْضُ
الْمُسْلِمِينَ،وَهَمُّوا أَنْ يَقُومُوا إِلَيْهِ.فَأَشَارَ النَّبِيُّ -
r- إِلَيْهِمْ:أَنْ كُفُّوا.فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ - r- وَبَلَغَ إِلَى
مَنْزِلِهِ دَعَا الْأَعْرَابِيَّ إِلَى الْبَيْتِ،فَقَالَ لَهُ:الجزء
التاسع < 16 > " إِنَّكَ جِئْتَنَا،فَسَأَلْتَنَا
فَأَعْطَيْنَاكَ،فَقُلْتَ مَا قُلْتَ ".فَزَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ - r-
شَيْئًا،فَقَالَ:" أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ ؟ ".فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ:نَعَمْ
فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ وَعَشِيرٍ خَيْرًا.فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ
- r-:" إِنَّكَ كُنْتَ جِئْتَنَا فَسَأَلْتَنَا فَأَعْطَيْنَاكَ،فَقُلْتَ
مَا قُلْتَ وَفِي نَفْسِ أَصْحَابِي عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ،فَإِذَا
جِئْتَ فَقُلْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مَا قُلْتَ بَيْنَ يَدَيَّ حَتَّى
يَذْهَبَ عَنْ صُدُورِهِمْ ".قَالَ:نَعَمْ.قَالَ:فَلَمَّا جَاءَ
الْأَعْرَابِيُّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r-:" إِنَّ صَاحِبَكُمْ كَانَ
جَاءَنَا،فَسَأَلَنَا فَأَعْطَيْنَاهُ،فَقَالَ مَا قَالَ،وَإِنَّا قَدْ
دَعَوْنَاهُ فَأَعْطَيْنَاهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ أَكَذَاكَ ؟
".قَالَ الْأَعْرَابِيُّ:نَعَمْ،فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ وَعَشِيرٍ
خَيْرًا.قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:فَقَالَ النَّبِيُّ - r-:" إِنَّ مَثَلِي
وَمَثَلَ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ
فَشَرَدَتْ عَلَيْهِ،فَاتَّبَعَهَا النَّاسُ فَلَمْ يَزِيدُوهَا إِلَّا
نُفُورًا،فَقَالَ صَاحِبُ النَّاقَةِ:خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ نَاقَتِي
فَأَنَا أَرْفَقُ بِهَا وَأَعْلَمُ بِهَا،فَتَوَجَّهَ إِلَيْهَا صَاحِبُ
النَّاقَةِ فَأَخَذَ لَهَا مِنْ قُشَامِ الْأَرْضِ،وَدَعَاهَا حَتَّى
جَاءَتْ وَاسْتَجَابَتْ،وَشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا وَاسْتَوَى
عَلَيْهَا،وَلَوْ أَنِّي أَطَعْتُكُمْ حَيْثُ قَالَ مَا قَالَ دَخَلَ
النَّارَ ".رَوَاهُ الْبَزَّارُ[20]

وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ
قَالَ:إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ rفَقَالَ:يَا رَسُولَ
اللهِ،ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا،فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ
وَقَالُوا:مَهْ.مَهْ.فَقَالَ:ادْنُهْ،فَدَنَا مِنْهُ
قَرِيبًا.قَالَ:فَجَلَسَ قَالَ:أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ ؟ قَالَ:لاَ،وَاللَّهِ
جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.قَالَ:وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ
لأُمَّهَاتِهِمْ.قَالَ:أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ ؟ قَالَ:لاَ،وَاللَّهِ
يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ:وَلاَ النَّاسُ
يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ.قَالَ:أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ ؟
قَالَ:لاَ،وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.قَالَ:وَلاَ النَّاسُ
يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ.قَالَ:أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟
قَالَ:لاَ،وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.قَالَ:وَلاَ النَّاسُ
يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ.قَالَ:أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟
قَالَ:لاَ،وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.قَالَ:وَلاَ النَّاسُ
يُحِبُّونَهُ لِخَالاَتِهِمْ.قَالَ:فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ
وَقَالَ:اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ،وَحَصِّنْ
فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى
شَيْءٍ."[21]

فهم شخصية المدعوّ: الداعي إلى الله لابد أن يكون
بصيرًا عارفًا بمن يدعوه فيتفهم شخصيته،ويحسن الطريقة التي يدعوه بها،وما
يناسب شخصًا قد لا يناسب شخصًا آخر. ومن الأفضل للداعي أن يعرف شيئًا عن
ظروف المدعو الاجتماعية. فعَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الْمُحَارِبِيِّ،قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ rمَرَّ بِسُوقِ ذِي
الْمَجَازِ وَأَنَا فِي بِيَاعَةٍ لِي،فَمَرَّ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ
حَمْرَاءُ،فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ،قُولُوا لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا،وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ يَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ
قَدْ أَدْمَى كَعْبَهُ،وَهُوَ يَقُولُ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ،لاَ تُطِيعُوا
هَذَا فَإِنَّهُ كَذَّابٌ،فَقُلْتُ:مَنْ هَذَا ؟ فَقِيلَ:غُلامٌ مِنْ
بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،فَلَمَّا أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلامَ خَرَجْنَا
مِنَ الرَّبَذَةِ وَمَعَنَا ظَعِينَةٌ لَنَا حَتَّى نَزَلْنَا قَرِيبًا
مِنَ الْمَدِينَةِ،فَبَيْنَا نَحْنُ قُعُودًا إِذْ أَتَانَا رَجُلٌ
عَلَيْهِ ثَوْبَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا،فَقَالَ:مِنْ أَيْنَ الْقَوْمُ ؟
فَقُلْنَا:مِنَ الرَّبَذَةِ،وَمَعَنَا جَمَلٌ أَحْمَرُ،فَقَالَ:تَبِيعُونِي
هَذَا الْجَمَلَ ؟ فَقُلْنَا:نَعَمْ،فَقَالَ:بِكَمْ ؟ فَقُلْنَا:بِكَذَا
وَكَذَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ،قَالَ:أَخَذْتُهُ،وَمَا اسْتَقْصَى،فَأَخَذَ
بِخِطَامِ الْجَمَلِ فَذَهَبَ بِهِ حَتَّى تَوَارَى فِي حِيطَانِ
الْمَدِينَةِ،فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ:تَعْرِفُونَ الرَّجُلَ ؟ فَلَمْ
يَكُنْ مِنْ أَحَدٍ يَعْرِفُهُ،فَلامَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ
بَعْضًا،فَقَالُوا:تُعْطُونَ جَمَلَكُمْ مَنْ لاَ تَعْرِفُونَ ؟ فَقَالَتِ
الظَّعِينَةُ:فَلا تَلاوَمُوا،فَلَقَدْ رَأَيْنَا رَجُلا لاَ يَغْدِرُ
بِكُمْ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مِنْ
وَجْهِهِ،فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ أَتَانَا رَجُلٌ،فَقَالَ:السَّلامُ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ،أَأَنْتُمُ الَّذِينَ
جِئْتُمْ مِنَ الرَّبَذَةِ ؟ قُلْنَا:نَعَمْ،قَالَ:أَنَا رَسُولُ رَسُولِ
اللَّهِ rإِلَيْكُمْ وَهُوَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ هَذَا
التَّمْرِ حَتَّى تَشْبَعُوا وَتَكْتَالُوا حَتَّى
تَسْتَوْفُوا،فَأَكَلْنَا مِنَ التَّمْرِ حَتَّى شَبِعْنَا،وَاكْتَلْنَا
حَتَّى اسْتَوْفَيْنَا،ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ مِنَ الْغَدِ،فَإِذَا
رَسُولُ اللَّهِ rقَائِمٌ يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى
الْمِنْبَرِ،فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا وَابْدَأْ
بِمَنْ
تَعُولُ:أُمَّكَ،وَأَبَاكَ،وَأُخْتَكَ،وَأَخَاكَ،وَأَدْنَاكَ،أَدْنَاكَ،وَثَمَّ
رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ،فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،هَؤُلاءِ بَنُو
ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعَ الَّذِينَ قَتَلُوا فُلانًا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ،فَخُذْ لَنَا بِثَأْرِنَا،فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ
rيَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ،فَقَالَ:لاَ تَجْنِي أُمٌّ
عَلَى وَلَدٍ،لاَ تَجْنِي أُمٌّ عَلَى وَلَدٍ"[22]

وعَنِ ابْنِ
شِهَابٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ rفِي تِلْكَ السِّنِينَ يَعْرِضُ
نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ،وَيُكَلِّمُ كُلَّ
شَرِيفِ قَوْمٍ لَا يَسَلْهُمْ مَعَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَرَوْهُ
وَيَمْنَعُوهُ وَيَقُولُ:" لَا أُكْرِهُ أَحَدًا مِنْكُمْ عَلَى
شَيْءٍ،مَنْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِالَّذِي أَدْعُوهُ إِلَيْهِ فَذَلِكَ،وَمَنْ
كَرِهَ لَمْ أُكْرِهْهُ،إِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ تُحْرِزُونِي مِمَّا
يُرَادُ بِي مِنَ الْقَتْلِ حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي وَحَتَّى
يَقْضِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي وَلِمَنْ صَحِبَنِي بِمَا شَاءَ اللَّهُ
" فَلَمْ يَقْبَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ،وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ
الْقَبَائِلِ إِلَّا قَالَ:قَوْمُ الرَّجُلِ أَعْلَمُ بِهِ،أَتَرَوْنَ
أَنَّ رَجُلًا يُصْلِحُنَا وَقَدْ أَفْسَدَ قَوْمَهُ وَلَفَظُوهُ ؟ فَكَانَ
ذَلِكَ مِمَّا ذَخَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْأَنْصَارِ وَأَكْرَمَهُمْ
بِهِ.فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ ارْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ rأَشَدُّ مَا كَانَ،فَعَمَدَ لِثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ رَجَاءَ أَنْ
يَأْوُوَهُ،فَوَجَدَ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْهُمْ سَادَةُ ثَقِيفٍ
يَوْمَئِذٍ وَهُمْ أُخْوَةٌ:عَبْدُ يَالِيلَ بْنُ عَمْرٍو،وَحَبِيبُ بْنُ
عَمْرٍو،وَمَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو،فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ،وَشَكَا
إِلَيْهِمُ الْبَلَاءَ وَمَا انْتَهَكَ مِنْهُ قَوْمُهُ.فَقَالَ
أَحَدُهُمْ:أَنَا أَمْرُقُ أَسْتَارَ الْكَعْبَةِ إِنْ كَانَ اللَّهُ
بَعَثَكَ بِشَيْءٍ قَطُّ.وَقَالَ الْآخَرُ:أَعَجَزَ اللَّهُ أَنْ يُرْسِلَ
غَيْرَكَ.وَقَالَ الْآخَرُ:وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ بَعْدَ مَجْلِسِكَ
هَذَا أَبَدًا،وَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَعْظَمُ
شَرَفًا وَحَقًّا مِنْ أَنْ أُكَلِّمَكَ،وَلَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى
اللَّهِ لَأَنْتَ أَشَرُّ مِنْ أَنْ أُكَلِّمَكَ.وَتَهَزَّءُوا بِهِ
وَأَفْشَوْا فِي قَوْمِهِمُ الَّذِي رَاجَعُوهُ بِهِ،وَقَعَدُوا لَهُ
صَفَّيْنِ عَلَى طَرِيقِهِ،فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ rبَيْنَ
صَفَّيْهِمْ جَعَلُوا لَا يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ وَلَا يَضَعُهُمَا إِلَّا
رَضَخُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ،وَكَانُوا أَعَدُّوهَا حَتَّى أَدْمَوْا
رِجْلَيْهِ.فَخَلَصَ مِنْهُمْ وَهُمَا يَسِيلَانِ الدِّمَاءَ،فَعَمَدَ
إِلَى حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِهِمْ،وَاسْتَظَلَّ فِي ظِلِّ حَبَلَةٍ
مِنْهُ،وَهُوَ مَكْرُوبٌ مُوجَعٌ،تَسِيلُ رِجْلَاهُ دَمًا،فَإِذَا فِي
الْحَائِطِ عُقْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ،وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ،فَلَمَّا
رَآهُمَا كَرِهَ مَكَانَهُمَا لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَدَاوَتِهِمَا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ،فَلَمَّا رَأَيَاهُ أَرْسَلَا إِلَيْهِ غُلَامًا لَهُمَا
يُدْعَى عَدَّاسًا وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى مَعَهُ
عِنَبٌ،فَلَمَّا جَاءَهُ عَدَّاسٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r: " مِنْ
أَيِّ أَرْضٍ أَنْتَ يَا عَدَّاسُ ؟ " قَالَ لَهُ عَدَّاسٌ:أَنَا مِنْ
أَهْلِ نِينَوَى،فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r: مِنْ مَدِينَةِ الرَّجُلِ
الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ مَتَى،فَقَالَ لَهُ عَدَّاسٌ:وَمَا يُدْرِيكَ مَنْ
يُونُسُ بْنُ مَتَّى قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ rوَكَانَ لَا يَحْقِرُ
أَحَدًا أَنْ يُبَلِّغَهُ رِسَالَةَ رَبِّهِ:" أَنَا رَسُولُ
اللَّهِ،وَاللَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَنِي خَبَرَ يُونُسَ بْنِ مَتَى
".فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِمَا أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شَأْنِ
يُونُسَ بْنِ مَتَّى،خَرَّ عَدَّاسٌ سَاجِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ rوَجَعَلَ
يُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَهُمَا يَسِيلَانِ الدِّمَاءَ.فَلَمَّا أَبْصَرَ
عُقْبَةُ وَشَيْبَةُ مَا يَصْنَعُ غُلَامُهُمَا سَكَنَا،فَلَمَّا
أَتَاهُمَا،قَالَا:مَا شَأْنُكَ سَجَدْتَ لِمُحَمَّدٍ،وَقَبَّلْتَ
قَدَمَيْهِ،وَلَمْ نَرَكَ فَعَلْتَهُ بِأَحَدٍ مِنَّا ؟ قَالَ:هَذَا رَجُلٌ
صَالِحٌ،أَخْبَرَنِي بِشَيْءٍ عَرَفْتُهُ مِنْ شَأْنِ رَسُولٍ بَعَثَهُ
اللَّهُ إِلَيْنَا يُدْعَى يُونُسَ بْنَ مَتَى،فَضَحِكَا بِهِ،وَقَالَا:لَا
يَفْتِنُكَ عَنْ نَصْرَانِيَّتِكَ،فَإِنَّهُ رَجُلٌ خَدَّاعٌ،فَرَجَعَ
رَسُولُ اللَّهِ rإِلَى مَكَّةَ "[23]

مخاطبة الناس على قدر عقولهم:
المسلم إذا دعا غيره كان عليه أن يراعي حاله ومستواه،فمن الناس من يناسبه
الكلام الفصيح،ومنهم من يناسبه الكلام البسيط المفهوم،وَقَالَ
عَلِىٌّ:حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ،أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ "[24]

وعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ مَا
أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ
كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً.[25]

البدء بدعوة الأهل والأقارب:
المسلم يبدأ بدعوة أهله وأقاربه،قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ
اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم.
ويقول تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (214) سورة الشعراء.

وعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ ( وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) صَعِدَ النَّبِىُّ - r- عَلَى الصَّفَا
فَجَعَلَ يُنَادِى « يَا بَنِى فِهْرٍ،يَا بَنِى عَدِىٍّ ».لِبُطُونِ
قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا،فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ
أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ،فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ
وَقُرَيْشٌ فَقَالَ « أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً
بِالْوَادِى تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ،أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِىَّ
».قَالُوا نَعَمْ،مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقًا.قَالَ « فَإِنِّى
نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ».فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ
تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ،أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا فَنَزَلَتْ ( تَبَّتْ
يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ )
[26]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ
{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:] جَمَعَ رَسُولُ اللهِ
rقُرَيْشًا،فقَالَ:يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ،أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ
النَّارِ،فَإِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَلِبَنِي
عَبْدِ مَنَافٍ مِثْلَ ذَلِكَ،وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِثْلَ
ذَلِكَ،ثُمَّ،قَالَ:يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ r،أَنْقِذِي نَفْسَكِ
مِنَ النَّارِ،فَإِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكِ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا،إِلاَّ
أَنَّ لَكِ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلاَلِهَا."[27]

عدم اليأس:
الداعي إلى الله لا ييأس إذا صادف رفضًا ممن يدعوه،فعليه أن يدعو ويترك أمر
الهداية إلى الله،قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}
(56) سورة القصص

إنك -أيها الرسول- لا تهدي هداية توفيق مَن أحببت
هدايته،ولكن ذلك بيد الله يهدي مَن يشاء أن يهديه للإيمان،ويوفقه إليه،وهو
أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه.[28]

وعَنِ ابْنِ
شِهَابٍ،قَالَ:أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ،عَنْ
أَبِيهِ،قَالَ:لَمَّا حَضَرَ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَ رَسُولُ اللهِ
rفَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ
بْنِ الْمُغِيرَةِ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: يَا عَمِّ،قُلْ:لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدْ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ،قَالَ أَبُو جَهْلٍ
وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ:يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ
مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؟ قَالَ:فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ
rيَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ حَتَّى قَالَ
أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ r: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ
عَنْكَ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا
أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ
بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}
[التوبة:]،وَأُنْزِلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ:{إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ
أَحْبَبْتَ،وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ،وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ}."[29]

وإن الإنسان ليقف أمام هذا الخبر مأخوذا
بصرامة هذا الدين واستقامته. فهذا عم رسول اللّه - r- وكافله وحاميه
والذائد عنه،لا يكتب اللّه له الإيمان،على شدة حبه لرسول اللّه - r- وشدة
حب رسول اللّه له أن يؤمن. ذلك أنه إنما قصد إلى عصبية القرابة وحب
الأبوة،ولم يقصد إلى العقيدة. وقد علم اللّه هذا منه،فلم يقدر له ما كان
يحبه له رسول اللّه - r- ويرجوه.

فأخرج هذا الأمر - أمر الهداية -
من حصة رسول اللّه - r- وجعله خاصا بإرادته سبحانه وتقديره. وما على الرسول
إلا البلاغ. وما على الداعين بعده إلا النصيحة. والقلوب بعد ذلك بين أصابع
الرحمن،والهدى والضلال وفق ما يعلمه من قلوب العباد واستعدادهم للهدى أو
للضلال.[30]



_____________





--------------------------------------------------------------------------------

[1] - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 584)(13375) 13408- صحيح

[2] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 397)

[3] - التفسير الميسر - (8 / 402)

[4] - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 3121)

[5] - صحيح مسلم- المكنز - (5007 ) وصحيح ابن حبان - (4 / 554) (1668) -أبدع : كل وتعب

[6] - صحيح البخارى- المكنز - (1) وشرح معاني الآثار - (3 / 96) (4650)

[7] - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2201)

[8] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1705)

[9] - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2034)

[10] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 51)

[11] - جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ (783 )

[12] - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 144)(24601) 25108- صحيح

[13] - صحيح مسلم- المكنز - (4178 ) وشرح مشكل الآثار - (2 / 220) (751 )

[14] - صحيح البخارى- المكنز - (946 )

[15] - الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (736 ) صحيح

[16] - الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (738 ) صحيح

وانظر للتوسع في هذا الموضوع كتابي (( الخلاصة في أسباب اختلاف الفقهاء ))

[17] - صحيح البخارى- المكنز - (1458) وصحيح مسلم- المكنز - (132)

[18] - صحيح مسلم- المكنز - (6767 )

[19] - صحيح ابن حبان - (2 / 309) (549) وصحيح مسلم- المكنز - (6766) عن عائشة نحوه

[20] - مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (15 / 294)(8799) فيه ضعف

[21] - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 407)(22211) 22564- صحيح

[22] - المستدرك للحاكم ( 4219) صحيح

[23] - دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (690 ) صحيح مرسل

[24] - صحيح البخارى- المكنز - (127 )

[25] - صحيح مسلم- المكنز - (4 ) وقيل لم يسمع من عم أبيه

[26] - صحيح البخارى- المكنز - (4770 ) وصحيح مسلم- المكنز - (529)

[27] - صحيح ابن حبان - (2 / 412)(646) وصحيح مسلم- المكنز - (522)

[28] - التفسير الميسر - (7 / 90)

[29] - صحيح البخارى- المكنز - (4772) وصحيح مسلم- المكنز - (141) وصحيح ابن حبان - (3 / 263) (982)

[30] - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 2703)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
آداب الدعوة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اكس بي نت xp nt :: القسم الاسلامي :: الفقه الاسلامي-
انتقل الى: